دينا جوني (دبي)

حين قررت أم سلطان أن تجازف بإخراج أولادها الأربعة من النظام المدرسي التقليدي، وأن تباشر مع بداية العام الدراسي الجاري باعتماد الدراسة المنزلية من دون أي ضمانة للحصول على شهادة معترف بها داخل الدولة، كانت في قرارة نفسها مؤمنة بأن دولة الإمارات تحقق خلال شهور عديدة قفزات نوعية في مختلف المجالات، في حين تحتاج دول أخرى إلى سنوات طوال لتحقيقها. وبما أن التعليم تضعه القيادة الرشيدة في الدولة ضمن أولوياتها، فكانت على ثقة بأن هذا التطور سيطال النظام التعليمي التقليدي لتلبية احتياجات فئات أخرى من المجتمع، وأن الحلّ لا بدّ آت. عندها اتخذت مع زوجها عبد الواحد محمد عبد العزيز خطوة كانت محلاً للنقاش طوال السنوات السبع الماضية، ببدء الدراسة المنزلية.
ليس قليلاً أن يُطلق على أم سلطان لقب «المرأة الخارقة» وهي التي أخذت على عاتقها إعداد نظام تعليمي يشمل مختلف المواد والأنشطة من الألف إلى الياء لأولادها: «سلطان» في الصف السابع، و«لولة» في الصف الخامس، و«راشد» في الصف الثالث، و«دانا» في الصف الثاني، بالإضافة إلى متابعة الشق المتعلق بمواهبهم وهواياتهم.
الأسباب التي دفعت أم سلطان إلى هجرة النظام المدرسي عديدة. فهي ترى أن أولادها موهوبون، ويمتلكون شخصيات قيادية، بالإضافة إلى أنهم حركيون وفضوليون يحبون الاستكشاف والبحث عن المعلومة. لم تتمكن أم سلطان من تخطي شعور الأم بالتقصير تجاه أولادها، وهي تراهم متعبين من التقييد المدرسي والروتين اليومي، وثقل الالتزامات المدرسية التي لا تتيح الوقت الكافي لتنمية المواهب والاستمتاع بالحياة، مبدية خوفها من أن تمر السنوات، وأن تختفي تلك الشرارة في داخلهم، وهذه الدافعية للتعلّم وتنمية ذواتهم. أجرت أم سلطان خلال الفترة الماضية بحثاً طويلاً عن تجربة التعليم المنزلي في الدول الأجنبية. كما رتّبت لقاءات مع عدد من أولياء الأمور من جنسيات متعددة داخل الإمارات، درست فيها تجاربهم، وكيفية تجاوب الطلبة مع الدراسة في المنزل، لتقرر مع زوجها خلال فترة الصيف بأن الوقت قد حان لخوض التجربة.
تؤكد أم سلطان أنه لم يكن بالإمكان تحقيق ذلك لولا التواصل الفعّال مع هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، ومشروع «رحّال» من خلال هند المعلا، عضو مجلس المديرين، رئيس الإبداع والسعادة والابتكار، وتوجيهاتهم المثمرة بالتواصل مع «مدرسة دوايت دبي» الخاصة والمعروفة ببرامجها الدراسية عن بعد. هذا التعاون الثلاثي الذي يسعى لتلبية احتياجات العائلة وتحقيق هدفها وحماية إنجازاتها عبر الحصول على شهادة معتمدة داخل الدولة.
بعد شهرين فقط من الدراسة المنزلية، تمكنت أم سلطان من رصد تحسّن ملحوظ في كيفية تلقي أولادها للمادة التعليمية، وتفاعلهم معها. وقد أكّد هذا المستوى العالي للطلبة، التقييم الذي أجرته مدرسة دوايت للأولاد في زيارة نظمت لتلك الغاية، والنتيجة الممتازة التي حصلوا عليها وذلك بعد الاطلاع على ملفاتهم وما أنجزوه خلال تلك الفترة.
وعمّا ستقدّمه المدرسة خلال الفترة المقبلة، لفتت أم سلطان إلى أنها ستعمل دورياً على تقييم المادة التعليمية لأولادها من خلال ملفات الإنجاز المرفقة بأدلة ونتائج، وإعطائهم الخيار بحضور صفوف داخل المدرسة مرتين أو مرة في الأسبوع وفقاً لرغباتهم، وإجراء اختبار تحديد مستوى في كل فصل للتأكد من أن المخرجات المطلوبة بكل مرحلة مستوفاة لدى الطلبة، وأخيراً شهادة معتمدة ومعترف بها تسمح لهم بإكمال دراساتهم الجامعية داخل الدولة من دون أي عوائق.

أساليب الدراسة المنزلية
من خلال اطلاعها على أساليب الدراسة المنزلية في الدول الأخرى، وجدت أنها بشكل عام ثلاثة أنواع، هي إما التسجيل في مدارس تعتمد التعليم عن بعد وتعطي الطلبة الكتب والامتحانات، أو مدارس تقدّم الكتب والمصادر من دون إجراء الامتحانات، أو الدراسة الحرة التي تعتمد على ولي الأمر حصراً من دون التسجيل في مدرسة معينة، أو الاستعانة بكتب محددة وامتحانات. أم سلطان طبّقت الخيار الأصعب، الخيار الحرّ الذي يضع على كاهلها مسؤولية كبيرة.
وبالنسبة للبرنامج الدراسي اليومي الذي وضعته لأولادها، فهو يبدأ في التاسعة صباحاً لغاية الساعة الواحدة ظهراً أو أقل، مع 10 دقائق استراحة كل نصف ساعة. أما المنهج، فهو عبارة عن «خلطة» محلية عربية عالمية تعتمد أساساً على المخرجات المطلوبة في دولة الإمارات. ففي كل وحدة دراسية من المواد الأساسية، تضع أم سلطان المعلومات والمخرجات المطلوب توافرها في كل طالب في الإمارات، وتعمل بحثاً شاملاً عن الوحدة نفسها في مناهج دول عربية أخرى، لتضع أخيراً المحتوى الذي تراه مناسباً، وتقدّمه لأولادها بأسلوب إبداعي.
تقول أم سلطان إن كل درس لا يمكن أن يتم كاملاً بشكل نظري. فالدرس الخاص بطبقات الأرض استوجب زيارة متحف التاريخ الطبيعي في الشارقة ثلاث مرات، ودرس الفضاء أصبح متعة مع زيارة مراكز الاستكشاف والفضاء، وكذلك الأمر بالنسبة للطيران.

المصادر المفتوحة
أما الجانب الثالث الذي تعتمده أم سلطان في تدريس أولادها هو الاعتماد على المصادر المفتوحة على شبكة الإنترنت، ومنها على سبيل المثال موقع «مدرسة»
في المقابل، تعتمد أم سلطان على مدرسين لتقديم النحو في مواد اللغة العربية واللغة الإنجليزية لأولادها، إضافة إلى محفّظ للقرآن. أما الجانب المتعلق بالكتابة الإبداعية والقراءة فتتولاه بنفسها.
تمر أيام عدة قد لا تنام فيها أم سلطان سوى ساعتين للتمكّن من تحضير الدروس، والمصادر، إلا أنها وأولادها مرتاحون نفسياً منذ أن بدأوا في هذه التجربة، خصوصاً مع تحقيق إنجازات، فاثنان من أولادها حققا مؤخراً ميدالية فضية وبرونزية في رياضة التايكواندو.
وأكدت هند المعلا عضو مجلس المديرين رئيس الإبداع والسعادة والابتكار في هيئة المعرفة والتنمية البشرية بدبي في تصريح لـ«الاتحاد» أن «رحّال» كأول ترخيص لإعداد تشريع بالدراسة المنزلية والتعلّم عن بعد، بشكل يكسبها الاعتراف في مرحلة التعليم المدرسي أو التعليم العالي، ليس إلا دليلاً إضافياً على أولوية التعليم الفعلية للقيادة الرشيدة في الدولة، والسعي الدائم إلى طرح أفكار ابتكارية تلبي احتياجات مختلف الفئات المجتمعية في الإمارات.
وقالت إن التشريع سيضع المعايير التي سيتم على أساسها منح الترخيص لمقدّم خدمة التعلّم عن بعد في الإمارات، الأمر الذي سيقدّم للمجتمع خدمات جديدة تلبي احتياجات فئات لا تجد في التعليم التقليدي ما يرضيها.
وتوقعت أن التشريع الخاص بتصريح مدرسة إلكترونية سيكون جاهزاً للطرح خلال تسعة شهور، بالتعاون مع جهات عدة هي بالإضافة طبعاً إلى مختبر التشريعات وهيئة المعرفة، مدرسة «دوايت» الخاصة بدبي، وأولياء الأمور، ووزارة التربية والتعليم، والجامعات. وستعمل مختلف هذه الجهات على وضع التشريع من خلال رصد الممارسة وتقييمها من قبل مختلف الأطراف.
وقد منحت هيئة المعرفة ترخيص رحّال إلى مدرسة «دوايت» الخاصة في دبي، والتي لها باع طويل في التعليم عن بعد من خلال منصتها للتعلّم الإلكتروني. وجاء ذلك بناء على حاجة عائلة المواطن عبد الواحد محمد عبد العزيز من الشارقة، التي رغبت باستبدال التعليم النظامي بالدراسة المنزلية، وبالتالي ضرورة وجود إطار معتمد ومعترف به داخل الدولة للحصول على شهادة بالخبرات التعليمية المحصّلة خارج المبنى المدرسي.
ولفتت المعلا إلى أن التشريع المنتظر وظيفته أن يضمن الحماية للمستخدم أي الطالب وعائلته من خلال الاعتراف بالإنجاز التعليمي ومنحه الشهادة التي لا تعيق تقدّمه العلمي داخل الدولة، إضافة إلى ضمان جودة البرامج المقدّمة من جانب المدرسة عن بعد.

لقاء محمد بن راشد دفعة للاستمرار
اعتبرت أم سلطان أن لقاءها مع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، أعطاها دفعة قوية للاستمرار في تحقيق هدفها، وتعليم أولادها بالأسلوب الذي تؤمن به. ولفتت إلى أن الإمارات تبرهن عن فرادتها في المنطقة والعالم، لأن احتياجات عائلة واحدة فقط دفعت القيادة إلى تأسيس مختبر يساهم في وضع تشريعات ابتكارية تلبي رؤية الدولة، وتدفع مواطنيها وقاطنيها نحو تحقيق الأفضل. وتقدّمت بالشكر إلى حكومة الشارقة التي أنشأت متاحف من الدرجة الأولى يمكن أن يستفيد منها كل راغب بالمعرفة والاطلاع.